وكالة الأنباء العراقية المستقلة بغداد ,,
بقلم /فريد هلال ,,
الوَطَنُ لَيْسَ مُجَرَّدَ مَكَانٍ نَعِيشُ فِيهِ، بَلْ هُوَ شُعُورٌ عَمِيقٌ بِالِانْتِمَاءِ وَالهُوِيَّةِ. إِنَّهُ ذَلِكَ الحَيِّزُ الَّذِي يَحْتَضِنُ أَحْلَامَنَا وَآمَالَنَا، حَيْثُ نَجِدُ الأَمَانَ وَالسَّلَامَ الدَّاخِلِيَّ. الوَطَنُ الَّذِي يُخَصُّنِي لَيْسَ بِالضَّرُورَةِ أَنْ يَكُونَ رُقْعَةً جُغْرَافِيَّةً مُحَدَّدَةً أَوْ مَكَانًا عَلَى الخَرِيطَةِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ فِكْرَةً، ذِكْرَى، أَوْ حَتَّى حَالَةً وِجْدَانِيَّةً تَرْبِطُنِي بِالأَشْيَاءِ الَّتِي أُحِبُّهَا وَأُؤْمِنُ بِهَا
عِنْدَمَا أَقُولُ "وَطَنٌ يُخَصُّنِي"، أَعْنِي ذَلِكَ المَكَانَ أَوْ الشُّعُورَ الَّذِي أَجِدُ فِيهِ نَفْسِي حُرَّةً، قَادِرَةً عَلَى أَنْ أَكُونَ عَلَى طَبِيعَتِي دُونَ أَقْنِعَةٍ. قَدْ يَكُونُ الوَطَنُ بَيْتًا صَغِيرًا يَضُمُّ تَفَاصِيلَ طُفُولَتِي، أَوْ شَارِعًا مَشَيْتُ فِيهِ يَوْمًا وَشَعَرْتُ أَنَّ الحَيَاةَ تَبْتَسِمُ لِي. قَدْ يَكُونُ الوَطَنُ لُغَةً تَرَبَّيْتُ عَلَيْهَا، أَوْ أُغْنِيَةً تُذَكِّرُنِي بِجُذُورِي، أَوْ حَتَّى لَحْظَةَ سَعَادَةٍ شَارَكْتُهَا مَعَ مَنْ أُحِبُّ.
الوَطَنُ الَّذِي يُخَصُّنِي هُوَ أَحْلَامِي الَّتِي أَطْمَحُ لِتَحْقِيقِهَا، وَالأَمَانُ الَّذِي أَسْعَى لِمَنْحِهِ لِمَنْ حَوْلِي. هُوَ حِضْنُ العَائِلَةِ الَّذِي يُعِيدُ لِي تَوَازُنِي عِنْدَمَا أَضِيعُ، وَهُوَ كُلُّ لَحْظَةٍ شَعَرْتُ فِيهَا بِالِانْتِمَاءِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي مَكَانٍ مَأْلُوفٍ أَوْ وَسَطَ أَشْخَاصٍ يُشْعِرُونَنِي بِأَنَّنِي لَسْتُ وَحْدِي.
لَكِنَّ الوَطَنَ لَيْسَ مُجَرَّدَ شُعُورٍ بِالرَّاحَةِ وَالِانْتِمَاءِ. أَنْ يَكُونَ لِي وَطَنٌ يُخَصُّنِي يَعْنِي أَنَّنِي مَسْؤُولٌ عَنِ الحِفَاظِ عَلَيْهِ، عَنْ بِنَائِهِ وَجَعْلِهِ مَكَانًا أَفْضَلَ. الوَطَنُ لَيْسَ فَقَطْ مَكَانًا نَأْخُذُ مِنْهُ، بَلْ هُوَ أَيْضًا مَكَانٌ نَمْنَحُهُ مِنْ وَقْتِنَا وَجُهْدِنَا وَوَفَائِنَا.
وَطَنٌ يُخَصُّنِي هُوَ ذَلِكَ الرَّابِطُ العَمِيقُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ كَسْرُهُ، مَهْمَا بَعُدَتِ المَسَافَاتُ أَوِ اخْتَلَفَتِ الظُّرُوفُ. إِنَّهُ لَيْسَ مَكَانًا فَحَسْبُ، بَلْ هُوَ كُلُّ مَا يُشْعِرُنِي بِأَنَّنِي عَلَى قَيْدِ الحَيَاةِ، بِأَنَّ لِي جُذُورًا، وَبِأَنَّنِي جُزْءٌ مِنْ شَيْءٍ أَكْبَرَ يَحْمِلُ اسْمِي وَقِصَّتِي وَأَحْلَامِي. |