وكالة الأنباء العراقية المستقلة بغداد ,,
بقلم
فريد هلال
بَغْدَادُ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ
مَدِينَةٍ، بَلْ هِيَ قَصِيدَةٌ تَتَغَنَّى بِهَا العُصُورُ، لَوْحَةٌ تَتَشَابَكُ
أَلْوَانُهَا بَيْنَ المَاضِي وَالحَاضِرِ، وَذَاكِرَةٌ تَحْيَا فِي قُلُوبِ مَنْ مَرُّوا
بِهَا، وَمَنْ حَلِمُوا بِأَنْ تَطَأَ أَقْدَامُهُمْ أَرْضَهَا. وَفِي قَلْبِ
هَذِهِ المَلْحَمَةِ، تَقِفُ أَمَانَةُ بَغْدَادَ كَحَارِسٍ عَلَى مَجْدِهَا،
وَكَفَنَّانٍ يَرْسُمُ مَلَامِحَهَا، وَكَعَاشِقٍ لَا يُفَارِقُهَا أَبَدًا.
بَغْدَادُ.. مَدِينَةٌ تُحْكَى
وَيَتَحَدَّثُ عَنْهَا الزَّمَانُ
مُنْذُ أَنْ نَبَضَتْ بَغْدَادُ
بِحَيَاتِهَا فِي أَحْضَانِ دِجْلَةَ، وَهِيَ تَكْتُبُ بِأَحْرُفِ النُّورِ
أُسْطُورَتَهَا، فَيَتَعَشَّقُهَا المُسَافِرُونَ، وَيَهِيمُ بِهَا
المُؤَرِّخُونَ، وَيَسْكُنُهَا العُشَّاقُ كَمَا تَسْكُنُهُمْ. فَكَمْ مِنْ
شَاعِرٍ قَدْ وَقَفَ عَلَى ضِفَافِهَا وَأَطْلَقَ بَيْنَ أَزِقَّتِهَا
أَبْيَاتَهُ، وَكَمْ مِنْ فَنَّانٍ أَحَبَّ شَوَارِعَهَا وَجَعَلَهَا قُبْلَةَ
لِلْوَحَاتِ وَالمَسَارِحِ.
أَمَانَةُ بَغْدَادَ.. بَيْنَ
الأَصَالَةِ وَالحَدَاثَةِ
لَيْسَ غَرِيبًا أَنْ تَكُونَ
الأَمَانَةُ هِيَ الحَارِسَةُ عَلَى هَذَا العِشْقِ، فَهِيَ تَسْعَى لِتُبْقِيَ
بَغْدَادَ مَدِينَةً لَا تَشِيخُ، حَافِظَةً لِجَمَالِهَا التَّارِيخِيِّ،
وَمُضِيفَةً إِلَيْهِ أَبْهَى لَمَسَاتِ العَصْرِ. مِنَ الأَزِقَّةِ التَّرَاثِيَّةِ،
إِلَى الجُسُورِ المُشْرِفَةِ عَلَى دِجْلَةَ، وَمِنَ الأَسْوَاقِ العَتِيقَةِ،
إِلَى الشَّوَارِعِ الحَدِيثَةِ، تَكُونُ الأَمَانَةُ هِيَ المَسْؤُولَةُ عَنْ
جَمَالِ العَاصِمَةِ وَتَأْلِيقِهَا فِي عُيُونِ العَالَمِ.
حِينَ يَعْشَقُ العَالَمُ بَغْدَادَ
يَأْتِيهَا العَابِرُونَ
فَتَأْسِرُهُمْ رُوحُهَا، وَيَسْمَعُونَ فِي أَصْدَائِهَا نِدَاءَ التَّارِيخِ،
وَيَرَوْنَ فِي مَلَامِحِهَا وَجْهَ الحَضَارَةِ. فَتَكُونُ الأَمَانَةُ هِيَ
الحِبْرَ الَّذِي يَكْتُبُ قِصَّةَ هَذَا العِشْقِ، وَهِيَ اليَدُ الَّتِي
تَرْفَعُ تَاجَهَا عَالِيًا، كَيْ تَظَلَّ بَغْدَادُ مَدِينَةً لَا تَشِيخُ،
وَحُلْمًا لَا يَغِيبُ. |