وكالة ألأنباء العراقية المستقلة ـــ
بـــغــــداد
كان يوم ركود وكسل، عُطّل فيه الدوام بعد ليلة عيد
الميلاد 2018، كان السكون يملأ أرجاء المتشفى، الأطباء والممرضون المناوبون ليلا
يتفقدون أسرّة المرضى هنا وهناك بالمدينة الطبية في حي الكاظمية في العاصمة بغداد.
وعلى حين غرة يتعكر صفو المكان على وقع جلبة
وأصوات النزلاء، بعدما اضطرمت النيران في الطابق الثاني للمستشفى بمخزن صغير
للمستلزمات الطبية، فتمتلأ الأجواء بالحرارة والدخان.
وكان حريق نشب في مستشفى الكاظمية بالعاصمة بغداد وتحديداً في الطابق الثاني للمتشفى
والخاص بالولادة، في 25 من كانون الأول الماضي، وفتحت وزارة الصحة تحقيقاً في
الحادثة.
وغير بعيد عن الحريق الذي لم يعرف مصدره بعد، تقبع ردهة الأطفال الخدج وحديثي
الولادة، 19 طفلا بأجسادهم الغضة، لا يملكون سبيلا للنجاة والخطر قاب قوسين أو
أدنى.
ترفض الطبيبة المقيمة أسيل أحمد {29 عاماً} المغادرة مع باقي العاملين الذين تم
إجلاؤهم، وتندفع بصحبة إحدى رفيقاتها عبر الرواق المؤدي إلى غرفة الخدج بإصرار
ورباطة جأش لا تلين.
تحمل الأطفال وزميلتها على دفعات وتخرجان إلى سطح المبنى قبل تسلل الدخان إلى
الردهة، حيث يستقبلهم طبيب آخر للنزول بهم عبر سلم الطوارئ إلى بقية الطاقم في
الخارج.
دقائق تحبس الأنفاس حالت دون وقوع الكارثة، كانت الأيقونة فيها الطبيبة أسيل،
بنكران ذات وابتسامة ودودة تصف أسيل أنها لم تفعل ما يستحق الثناء غير واجب
ومسؤولية، بحكم مهنتها الإنسانية.
وأكدت "علمتني هذه الحادثة أن أكون إنسانة قبل كوني طبيبة".
مدير المدينة الطبية في الكاظمية عبد الرحمن إسماعيل، يردد بثقة "لم يخذلنا
أحد الكل أعطى ما لديه حتى عامل الخدمة وموظف الأوكسجين، بهمتهم تمكنا من إنقاذ
الأطفال خلال عشر دقائق".
كلمات أطلقها وأسارير الرضا تعلو محياه، وأردف متحدثا "نتوجع قبل الآخرين
ونحس بمعاناة مرضانا".
مسئول قسم الأطفال أحمد العيساوي يختزل الحادثة بالقول "تشابك الأيدي والغيرة
العراقية جعلت النار بردا وسلاما على أطفالنا ومنحتنا القدرة على إنقاذهم، لدينا
خطة دفاع مدني ونظام إدارة متكامل من أعلى المؤسسة حتى أدناها".
وبعد اكتمال عملية الإنقاذ ينقل أحد الرضع وحالته حرجه إلى مستشفى الطفل في حي
المنصور برفقة إحدى الممرضات التي مكثت معه حتى صبيحة اليوم التالي بعدما استقرت
حالته، بينما عائلته لا تعرف شيئا عنه.
أبو حسين والد الطفل المفقود يكشف ردة الفعل الأولى بعد معرفة مكان إيوائه
"لم أصدق أن ولدي حي يرزق وتستطيع يدأي تحسسه مرة أخرى، ما عدت أملك حبس
دموعي، شكرا لمن أعاده لي".
حادثة أعادت للأذهان حوادث مماثلة طواها الزمن، ضحاياها كثر لم يكشف كنهها حتى
الساعة، مثل حريق مستشفى العلوية للأطفال ومستشفى اليرموك ببغداد.
بيد أن واقعة المدينة الطبية في الكاظمية مرت بلا ضحايا وأعطت للسائلين إجابة
مفادها أن الإنسانية لمن زاول الطب أو غيره، لا تباع في دكاكين العطارين، إنما
تولد في الذات وتترجم بعمل.
إنقاذ الأطفال في هذه المستشفى ربما رممت الصورة القاتمة لدى شريحة المرضى وذويهم،
وفتحت كوّة صغيرة في جدار اليأس.انتهى
تحرير ـــ محمد إبراهيم ـــ السوداني
|