رفض الغناء لصدام حسين وحفظ القرآن.. فنان عراقي يرحل بصمت متأثرا بكورونا
أضيف بواسـطة
وكالة الأنباء العراقية المستقلة متابعة ....
قبل أيام قليلة ودّعت الساحة الفنية العراقية واحدا من ألمع الفنانين الذين ذاع صيتهم مطلع السبعينيات بأغان لا تزال حاضرة في ذاكرة الناس على الرغم من تركه الغناء لأكثر من 30 عاما وابتعاده عن الأضواء والشهرة، لكن أغانيه بقيت راسخة وحاضرة في أذهان الأجيال.
في صبيحة يوم الأربعاء الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2020 كان الفنان كمال محمد قد ودع مدينته الناصرية بهدوء وسكينة إثر إصابته بفيروس كورونا، ورقد في مركز العزل الصحي أياما عدة ثم توفي بعدها، حيث نعته مدينته وفنانوها ومثقفوها واستذكروا أغانيه التي لا تزال تمثل جزءا من ذاكرة الغناء العراقي.
على الرغم من سيرته الفنية القصيرة فإن كمال محمد تمكن من أن يكون أحد أبرز الفنانين، بالتحديد في ذي قار حيث اشتهر مع إذاعة أول أغنية له مطلع السبعينيات، وهي المرحلة الزمنية ذاتها التي ظهر فيها الفنان حسين نعمة وذاع صيته سريعا، لكن كمال محمد فضل البقاء بعيدا والاهتمام بجوانب أخرى غير الغناء.

ولد محمد في مدينة الناصرية عام 1942، وانتقل للدراسة في معهد المعلمين بمدينة بعقوبة بمحافظة ديالى عام 1965، وتخرج فيه ليعمل بالمجال التربوي مدة 30 عاما.
وخلال مسيرته الفنية سجل 3 ألبومات غنائية عام 1975، ثم أحيا حفلات غنائية في الخليج وسوريا ومصر ودول أوربية عدة.
يقول الكاتب المؤرخ عبدالحليم الحصيني، إن الفنان كمال محمد بدأ رحلته بالتحديد عام 1971 مع أغنية "معاتبين"، وهي من ألحان عبد الحسين السماوي وكلمات عبد الرضا اللامي، ثم توالت أغانيه مثل أغنية "ردي بينه" وهي من كلمات الشاعر عباس جيجان وألحان عبد الحسين السماوي.
وبعد تركه الغناء عاش مدة طويلة في محافظة ديالى، لكنه عاد إلى الناصرية خلال فترة الاحتقان الطائفي التي شهدها العراق عام 2006 و2007.
يقول الفنان ومدير بيت الغناء الريفي في ذي قار ماجد الصياد، إن "الفنان كمال محمد لم يأخذ فرصته كباقي المطربين أمثال حسين نعمة وياس خضر وغيرهم، رغم أنه من جيل السبعينيات وصاحب صوت شجي ومميز".
ويضيف أن محمد له أغان معدودة، وأنه غادر الناصرية لكنه عاد إليها فيما بعد، ولم يغنّ للرئيس العراقي صدام حسين واعتزل الفن لاحقا وأصبح قارئ قرآن بارعا، ورحل بصمت وهو يعاتب أهل الفن ونقابة الفنانين والحكومة العراقية.

وحسب ما يروي أصدقاؤه فقد كان لمحمد شغف بالقرآن الكريم شجعه على حفظ كتاب الله كاملا، وكان يحضر ويفتتح الجلسات والأمسيات والفعاليات الثقافية والفنية بآيات من القرآن.
يعتقد الكاتب المخرج المسرحي ياسر البراك أن أهم ما يميز تجربة الفنان الراحل كمال محمد هو قدرته الفائقة على الانتقاء الذي يبدأ باختيار كلمات الأغاني ومن ثم اللحن وصولا إلى طريقة الأداء، ولذلك نجد أن أغلب الأغاني التي قام بأدائها كانت مختلفة تماما عن فنّاني عصره.
ويتابع البراك أن كمال محمد من المطربين القليلين الذين لم ينتظموا في الماكينة الدعائية لثقافة السلطة لا قبل عام ٢٠٠٣ ولا بعده، وهو ما يفسر ابتعاده عن الأضواء الإعلامية مما أثر في شهرته الجماهيرية، لكن يبقى أداؤه الغنائي أنموذجا فذّا للذوق الفني السبعيني المميز، حسب البراك.
من جانبه يقول الفنان رعد أمقيص إن الفنان الراحل كمال محمد ابن الناصرية، وطائر الجنوب الذي غرد في سماء ديالى، وعاد إليها بعد حنين طويل، هو فنان ملتزم وصاحب صوت شجي كما أنه غنى جميع الأطوار الغنائية، واستطاع العمل مع عدد كبير من الملحنين من داخل الناصرية وخارجها.
كمال محمد ألهب قلوب جماهيره وعشاق فنه ومحبيه بما قدمه للأغنية العراقية الرصينة التي قدم لها الكثير وأعطاها من عصارة روحه وقلبه بعد أن عشقها وكان ينبض بالوفاء لها، كما يقول الفنان عمار الغرباوي الذي كان قريبا من الفنان أواخر حياته.
يعد كمال محمد من الأصوات المهمة في الساحة الفنية، لكنه ظل يراوح من خلال الظروف التي واجهته في حياته، كما يقول نقيب الفنانين في محافظة ذي قار علي عبد عيد، فهو ظهر في زحمة الأصوات المهمة التي شكلت أثرا كبيرا في الغناء العراقي لكنه رغم عطائه القليل ترك أغاني تعد من الروائع، حيث شكلت حضورا في الساحة الغنائية بصوته الجنوبي الممتلئ بالحزن.
وكمال -كما يتحدث عيد - من المطربين المنسيين مثل قيس حاضر وصباح السهل، لكن محمد دخل إلى أذهان المتذوقين لهذه الروائع الغنائية القليلة، وحاولنا قدر الإمكان أن ننقذه بعد إصابته بكورونا من خلال العناية والاهتمام لكن وزارة الثقافة لم تستجب لدعواتنا.
ويضيف "عمل وزارة الثقافة مرتبك، أردناها وزارة مثقفين لا موظفين لكي نتنفس من خلالها فهي الحاضنة الفنية والثقافية في العراق، لكن الفنان ظل يعاني الفقر وعدم الرعاية والاهتمام، وهذا الأمر أغلق الطرق بوجه الإبداع والمبدعين واليوم يتساقط المبدعون بشكل واضح، ونأمل أن تعيد الوزارة قراءة هذا المشهد كي تنهض بالواقع الحقيقي للإبداع".
واشتهرت الناصرية بالكثير من الفنانين الذين أثروا الساحة الغنائية العراقية منذ الخميسنيات من القرن الماضي، حيث برزت أصوات فنية كبيرة، مثل داخل حسن وحضيري أبو عزيز وناصر حكيم وحسين نعمة وأصوات أخرى تركت أثرها الواضح إلى اليوم.انتهى
رابط المحتـوى
عدد المشـاهدات 1407   تاريخ الإضافـة 06/12/2020 - 08:44   آخـر تحديـث 29/03/2024 - 00:30   رقم المحتـوى 78550
جميـع الحقوق محفوظـة
© www.Ina-Iraq.net 2015