وكالة الأنباء العراقية المستقلة بغداد ,, ------------------- بقلم: فريد هلال",, من صميم القلم الذي ينتمي للماضي ويتنفس الحاضر، يكتب... لَمْ تَكُنِ الصُّحُفُ اليَوميَّةُ يَومًا مُجَرَّدَ أَوراقٍ تُطْبَعُ، بَلْ كَانَتْ شاهِدَةً عَلى نَبْضِ الشُّعُوبِ وَهُمُومِها، وَصَوتًا يُدَوِّنُ التَّاريخَ بِحِبْرٍ يَحْمِلُ عَبَقَ الحِكاياتِ. فِي المَاضِي، كَانَتِ الصُّحُفُ العِراقِيَّةُ نافِذَةً صَباحِيَّةً لَا يَكْتَمِلُ اليَومُ دُونَها؛ تَتَناثَرُ بَينَ الأَيادِي مَعَ أَوَّلِ ضَوْءٍ، تُرافِقُها رائِحَةُ القَهوَةِ وَصَوتُ خُطُواتِ المُوَزِّعينَ فِي الشَّوارِعِ، وَكَأَنَّها كَانَتْ تُحْيي المَدِينَةَ كُلَّ يَومٍ. كَانَتِ الصُّحُفُ حِينَها أَكْثَرَ مِنْ وَسيلَةِ إِعْلامٍ، كَانَتْ جُزْءًا مِنْ ثَقافَةِ المُجْتَمَعِ، وَمِرآةً تَعْكِسُ تَطَلُّعاتِهِ. حَمَلَتْ رِسالاتِ الأَمَلِ وَالتَّحَدِّي، وَكَانَتْ مَنصَّةً لِلْمُثَقَّفِينَ وَالأُدَباءِ، تَفْتَحُ أَبْوابَ الحِوارِ وَتُطْلِقُ العَنانَ لِلإِبْداعِ. وَلَكِنَّ، مَا جَرَى مَعَ ظُهُورِ التِّكْنُولُوجِيا غَيَّرَ المَشْهَدَ بِالكامِلِ. أَصْبَحَتِ الأَخْبارُ تَصِلُ إِلَى القارِئِ فِي لَحْظَتِها عَبْرَ الشَّاشاتِ، وَتَراجَعَتْ عادَةُ اقْتِناءِ الصُّحُفِ. اخْتَفَى ذَلِكَ الطَّقْسُ الصَّباحِيُّ الَّذِي كَانَ يَجْمَعُ بَينَ الكَلِماتِ المَكْتُوبَةِ وَدِفْءِ اللَّحْظَةِ. وَمَعَ ذَلِكَ، مَا زالَتِ الصُّحُفُ اليَوميَّةُ تُناضِلُ لِلحِفاظِ عَلى مَكانَتِها فِي عالَمٍ تَسُودُهُ السُّرْعَةُ وَالتِّقْنِيَّاتُ. مَا يَجْرِي اليَوْمَ هُوَ صِراعٌ بَينَ أَصالَةِ الأَمْسِ وَمُتَطَلَّباتِ اليَوْمِ. الصُّحُفُ المَطْبُوعَةُ، الَّتِي كَانَتْ رَمْزًا لِلثَّقافَةِ وَالتَّواصُلِ، تَقِفُ أَمامَ تَحَدٍّ كَبيرٍ: كَيْفَ تُعيدُ التَّواصُلَ مَعَ جِيلٍ اعْتادَ الأَخْبارَ السَّريعَةَ وَالتِّقْنِيَّاتِ الحَديثَةِ؟ أخِيرآ، يَبْقَى السُّؤالُ هَلْ سَتَسْتَطِيعُ الصُّحُفُ اليَوميَّةُ أَنْ تَخْلُقَ تَوازُنًا بَينَ عَبَقِ الأَمْسِ وَواقِعِ اليَومِ؟ أَمْ أَنَّ هَذَا العَصْرَ الرَّقْمِيَّ سَيَطْوي آخِرَ صَفَحاتِها؟ الإِجابَةُ تَكْمُنُ فِي قُدْرَةِ الصَّحافَةِ عَلى الِابْتِكارِ، دُونَ أَنْ تَفْقِدَ رُوحَها الأَصِيلَةَ الَّتِي جَعَلَتْها جُزْءًا مِنْ حَياةِ كُلِّ قارِئٍ." |