وكالة الأنباء العراقية المستقلة بغداد ,,
بقلم فريد هلال ,,
لَيْسَ الوَطَنُ مُجَرَّدَ أَرْضٍ نَسِيرُ عَلَيْهَا، بَلْ هُوَ رُوحٌ تَسْكُنُ فِينَا، وَدَمٌ يَجْرِي فِي عُرُوقِنَا، وَنَبْضٌ يَتَرَدَّدُ مَعَ كُلِّ خَفْقَةِ قَلْبٍ. كَيْفَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَهُوَ أَوَّلُ حِضْنٍ احْتَوَانَا، وَأَوَّلُ هَوَاءٍ مَلَأَ رِئَتَيْنَا، وَأَوَّلُ انْتِمَاءٍ نُقِشَ فِي هُوِيَّتِنَا؟
الوَطَنُ اسْمٌ مِنَ الحُرُوفِ الَّتِي تَعَلَّمْنَاهَا مَعَ أَوَّلِ وُجُودِنَا، فَلَوْلَا أَمْرُ اللهِ، لَكَانَ أَوَّلَ نِدَاءِ يَنْطِقُهُ الرَّضِيعُ، كَمَا يُنَادِي أُمَّهُ: "وَطَن!"
حِينَ نَعْشَقُ الوَطَنَ، لَا يَكُونُ العِشْقُ كَلِمَاتٍ تُقَالُ أَوْ شِعَارَاتٍ تُرْفَعُ، بَلْ يَكُونُ فِي كُلِّ خُطْوَةٍ نَخْطُوهَا لِأَجْلِهِ، فِي كُلِّ تَضْحِيَةٍ نُبْذِلُهَا لِصَوْنِ كَرَامَتِهِ، فِي كُلِّ لَحْظَةِ وَلَاءِ تُكْتَبُ بِصِدْقٍ عَلَى جِدَارِ الزَّمَنِ.
الوَطَنُ هُوَ ذَلِكَ الأَبُ الحَانِي الَّذِي يَفْتَحُ ذِرَاعَيْهِ رَغْمَ كُلِّ الجِرَاحِ، وَهُوَ الأُمُّ الَّتِي تَغْفِرُ زَلَّاتِ أَبْنَائِهَا بِحُبٍّ لَا يَنْضُبُ. إِنْ ضَاقَتْ بِنَا الدُّنْيَا، كَانَ لَنَا الأَمَانُ، وَإِنْ جَارَ عَلَيْنَا الزَّمَانُ، كَانَ لَنَا العُنْوَانُ.
نَحْنُ لَا نَعِيشُ فِي الوَطَنِ فَقَطْ، بَلْ هُوَ يَعِيشُ فِينَا... فِي أَصْوَاتِنَا حِينَ نُنْشِدُ اسْمَهُ، فِي أَحْلَامِنَا حِينَ نَرْسُمُ مُسْتَقْبَلَهُ، وَفِي أَرْوَاحِنَا حِينَ نُعَاهِدُهُ عَلَى الوَفَاءِ.
وَكَأَنَّنِي وَالوَطَنُ رُوحٌ وَاحِدَةٌ إِنْ غِبْتُ عَنْهُ، فَفِي دَمِي يَتَغَلْغَلُ |