وكالة الأنباء العراقية المستقلة بغداد ,, 

فيصل سليم/

كانت دار فارهة تتقدمها حديقة واسعة تفوح بعبق الزهور وتنسدل ضفائر نباتاتها المتسلقة على كتفي السياج، أفراد الاسرة يعيشون في بحبوحة، ربما حسدهم عليها البعض، لم يفكر أحد بماذا كانوا يعملون؟ وما هي مصادر كسبهم؟ الأيام تضحك لمرآهم و الجيران يكنون لهم الاحترام و دارت الأرض دورتها وزلزلت بغداد زلزالها فمحيت قصور و ازيلت صور و انقلبت مفاهيم و انتقل أناس على موجة من الهرج و المرج من حال الى حال فالبعض نجا حطام ما جمعه بأعجوبة و الآخر أسرع بما نهبه من حطام الى أهله فرحا مسرورا بحيازة مال أو أثاث أو أي شيء و بما أن الحرام لا يدوم , والحرامي يفضح ولو بعد حين , فقد حل بتلك الدار الفارهة الخراب بالرغم من عودة الهدوء النسبي و عدم شك أحد بنزاهة ساكنيها , وان احدا لم يمسسها بكلمة واحدة اذ ارتفع الصراخ في ظهيرة قائضة ووسط الانفعال و الارتباك تعالت الأصوات و اختلطت بأصوات الرصاص الغاضب بعد أن أحضرت جثة صاحب الدار الذي اتضح انه يتاجر بالمخدرات  و الحبوب المهدئة الممنوعة و المشروبات الكحولية وبعد اختلافه مع عصابته المروجين على الأرباح , اذ كان القاتل يتعاطى ذات السم الذي يبيعه , و لم يكن الجيران يصدقون الخبر – اذ تردد الكثير منهم في تقديم العزاء و القيام بالواجب تجاههم و تهامست النساء فخورات بأصابعهن الخالية من الخواتم و معاصمهن الخالية من الأساور بعد أن كن يحسدن الجارة على الذهب الأحمر الذي يطوق أنحاء جسدها كما حصل بالأمس مع قوم قارون .

وقال المؤمنون بل ثواب الله خير وأوصوا الناس بالعمل الصالح والصبر ثم خسف الله الأرض بقارون وداره فلم ينتصر له أحد (وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون) القصص /82.

وهكذا حل الخراب بالدار والسمعة والصيت الذي أسس على خراب بيوت الناس وتلألأت الوضاءة في وجوه المؤمنين والمؤمنات ممن بقيت أياديهم بيضاء مبسوطة بالحمد والثناء والدعاء، ولينصرن الله من ينصره.

حالة أخرى:

و من ما يثير الأسى والأسف أن لا تتحرى بعض النساء عن حقيقة ما يدخل دارها من مال ان كان حلالا او حراما او فيه شبهة بل ربما شاركت مشاركة فعليه في الحصول عليه بطرق اللصوص الرعاع الخارجين عن الشرع و القانون و العرف.

علمت احدى العوائل بوجود مخبأ فيه رزم من الدولارات مما يشكل ثروة هائلة ورغن أن رب الاسرة كان يعمل في التجارة وكانوا يعيشون بمستوى يتمنى الكثيرون لو وصلوا اليه الا انهم طمعوا حتى شاركت نسائهم في نهب ذلك الكنز وكأنهم ينقلون ثروة أجدادهم أو كأن الله جل وعلا خصهم من دون الخلق بهذا ليغترفوا بلا حساب ولا خوف ولا خشية من الله عز وجل وتمت العملية بسلام فقد نقلوا المال كله وخبأوه في دار شقيقتهم التي كانت تسكن منطقة اخرة ولم يكن يعلم به أحد سوى الواحد الأحد.

لكن الأحداث داخل العائلة تطورت و علت الصرخات و كثرت الشجارات فقد اختلست الأخت التي خبيء المال في دارها مقدارا منه مما أثار حنقة أشقائها و رغم أنهم منحوها سهما كبيرا الا أنها وجدته ضئيلا قياسا للصيد الثمين الذي رأته فوقعت المشاكل بين الأصدقاء و انقسموا الى معسكرين ووقعت حرب طاحنة بين الاخوة لم يوقف سعيرها الا رنين الهاتف و صوت عصابة اخرة تهدد فقد اختطفوا الاب الذي كان أول من بارك سرقة أبنائه مطالبين بمبلغ كبير من الدولارات لإطلاق سراحه و ازدادت الاختلافات و المشاكل حتى اضطروا لبيع بيت الاسرة لدفع المطلوب لأن الثروة التي وزعت رفض الأبناء أن يدفعوا ذلك المال الكبير من حصصهم :

وهكذا ضاع البيت وعاد الأب مريضا منهكا مفزعا لم يجد شيئا الا الدار ولا الأبناء الذين غرقوا في التشاحن والبغضاء فقد اختلفت شقيقتهم مع زوجها بسبب ذلك المال وكاد الابن الأكبر أن يفقد حياته بسبب جروح كبيرة اصابته بعد عملية نصب عليه ولم تنجح الا انه ظل خائفا ولم تعد الاسرة تجتمع تحت سقف واحد ابدا فقد ضاعت الاواصر وضاعت السعادة وضاع الأمن والطمأنينة ولم تستطع الثروة الحرام أن تشتري لهم دقائق الفة وئام.